Rulings

قول عمر رضي الله عنه: «نعمت البدعة» [البخاري (2010)] إنما يدخل فيما يُسمى في علم البديع بالمشاكلةِ والمجانسةِ في التعبيرِ، فعلماء البلاغة يقولون: المشاكَلة ذكر الشيء بلفظِ غيره؛ لوقوعِه في صُحبتِه تحقيقًا أو تقديرًا؛ حيث يُطلق اللفظ ولا يُراد به إلا مجرَّد مجانسة لفظ آخر تحقيقًا أو تقديرًا.

فالتحقيق كقول الله جل جلاله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}…

بناء المدارس والأربطة ليس من البدع، بل هو داخِل تحت القواعدِ الشرعيةِ المستمَدةِ من النصوصِ، فما لا يتمُّ الواجب إلا به، فهو واجب، وما لا يتمُّ المندوب إلا به، فهو مندوبٌ، والوسائلُ لها أحكامُ الغاياتِ.

الرد على المخالفين ليس من البدع، فلا يصح ما يُزعَم أن من البدع الواجبة الرد على المخالفين؛ لأن القرآن مملوء بالردِّ على المخالفين، والسنة الصَّحيحة الصَّريحة فيها شيء من ذلك، فالمخالفُ الذي يخالف الصراطَ المستقيمَ، وما جاء عن الله جل جلاله وعن رسولِه صلى الله عليه وسلم، ويريد أن ينشرَ الضلالَ والبدعَ، والفسادَ بين المسلمين؛ فمثل هذا يردُّ عليه، وهذا من الجهادِ باللِّسان، وقد أمر النبي صلى الله…

من أهلِ العلمِ من قسَّم البدعة إلى بدعةٍ حسنةٍ، وبدعةٍ سيئةٍ.

ومنهم من قسَّمها على الأحكامِ التكليفيةِ الخمسةِ: الواجبِ، والمندوبِ، والمباحِ، والمكروهِ، والمحظورِ، فقالوا تبعًا لذلك: هناك بدع واجبةٌ، وبدع مستحبةٌ، وبدع مباحةٌ، وبدع مكروهةٌ، وبدع محرمةٌ.

لكن هل نستطيع أن نقول: إن هناك بدعًا واجبةً، أو مستحبَّةً، أو مباحةً، مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: «…

البدعة أصلها في اللغة: ما عُمل على غير مثالٍ سابقٍ.

وفي الاصطلاح: كل ما أحدث في الدين بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، فكل عمل يتدين به مما لم يسبق له شرعية من كتاب أو سنة فهو بدعة، فالذي يتدين به يخرج أمورَ الحياة العادية؛ إذِ الأصلُ فيها الإباحةُ، ولا تحتاج إلى أن يسبق لها شرعية، فالمستجدَّات والمستحدَثات فيما يتعلَّق بأمور الدنيا لا تحتاج إلى نصٍّ في استعمالها، اللهم إلا إذا كانت…

الهداية قسمان:

القسم الأول: هداية لا يَملكها إلا الله سبحانه وتعالى، فهي خاصة به جل جلاله، وهي هداية التوفيق والقَبول، وقد جاء نفيها عن أكملِ الخلقِ صلى الله عليه وسلم؛ فقال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56].

القسم الثاني: هداية يملكها النبيُّ صلى الله عليه وسلم ومن تَبعه وسار على هديه من…

قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، والمراد بحبل الله عند جمعٍ من أهلِ العلمِ دينَه الشامل للكتابِ والسنةِ.

ولن يضلَّ من تمسك بالكتابِ والسنةِ، والتمسُّك بهما فيه العصمة من كل شرٍّ وفتنةٍ. وفي خطبه صلى الله عليه وسلم التنبيه…

قال الشعبيِّ رحمه الله: «أجمعوا ألا يكتبوا أمام الشِّعر بسم الله الرحمن الرحيم» [ابن أبي شيبة (26606)، والخطيبُ البغداديُّ - واللفظ له - في الجامعِ لأخلاقِ الرَّاوي (545)]، أي: أنه لا ينبغي أن تُكتب البسملة قبل الشعر؛ لأن الشِّعر والشُّعراء مذمومون في القرآنِ والسنةِ، أما القرآن، فقوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء: 224]. وأما السنَّة فقد…

طُبعت المنظومة الحائية لابن أبي داود في مطبعة الترقِّي بدمشق سنة (1350هـ)، ضمن مجموع يشمل: «نجاة الخلفِ في اعتقادِ السَّلف» للشيخ عثمان بن أحمد النَّجدي، و«عقيدة السَّفاريني»، ثم «عقيدة أبي بكر بن أبي داود».

وطُبعت أيضًا في نسخ ضمن مجموع يضمُّ إضافة إلى الحائية: «عقيدة أبي الخطَّاب الكَلْوَذاني»، و«عقيدة أبي الحسن الأشعَري»، و«ذم التَّأويل» لابن قُدامة، و«التُّحف في مذاهب السَّلف»…

المنظومة الحائية لابن أبي داود قرأها الشيوخ، وأقرأوها الطلَّاب، وحَفِظوها وحفَّظوها، وشرحوها بشروحٍ مكتوبةٍ ومسموعةٍ، وكثير من هذه الشروحِ لم يصل إلينا، فلم يصل إلينا إلا شرح السَّفاريني «لوائح الأنوار السَّنية ولواقح الأفكار السُّنية شرح قصيدة ابن أبي داود الحائية في عقيدة أهل الآثار السَّلفية» مطبوع في جزأين.

وقال الذهبيُّ: «رواها الآجُرِّي وصنف لها شرحًا، وأبو عبد الله ابن بطة في…

الكذب على مذهبِ أهلِ السنةِ والجماعةِ لا يلزم أن يكونَ مع العمدِ، بل إذا خالف الكلامُ الواقعَ سمِّي كذبًا، وهذا يشمَل الخطأ، ويشمل الوهمَ، أما المعتزلةُ فقد اشترطوا في الكذبِ أن يكون عن عمدٍ، ولو كان كذلك لما احتيج إلى قيدِ العمدِ في حديث: «من كذَب علي متعمِّدًا فليتبوَّأ مقعدَه من النَّار»

ذُكر من إنصاف المحدِّثين أن أبا داود رمى ابنه بالكذبِ [ميزان الاعتدال (4155)].

والإمام أبو بكر بن أبي داود بريء من الكذب في الحديثِ قطعًا، وتوثيقُ الأئمَّة وتعديلُهم له، وإمامته وعلمُه وورعه، كلُّ هذا يردُّ هذه التُّهَمة، ولا يُمكن أن ينصرفَ قول أبي داود في ولدِه - إن صحَّ عنه ذلك - إلى الكذبِ في الحديثِ، وقد يُحمل على أنه قد خَبر منه الكذب مرة أو مرتين في كلامِه العادي، ومثل هذا أظنّ…

أبو بكر بن أبي داود، أبوه هو أبو داود السِّجستاني صاحب السنن. وُلد سنة (230هـ)، وهو إمامٌ مُحَدِّثٌ، وله أسانيد، وقد سمع الحديثَ صغيرًا، وقد تأخَّر عن طبقة النسائيِّ قليلًا فتوفي سنة (316هـ)؛ فهو في طبقة ابن خُزيمة، والطبريِّ، ونظرائهم.

جاءت المنظومة الحائية لابن أبي داود في ثلاثة وثلاثين بيتًا، ولها نسخٌ كثيرةٌ موجودةٌ متداوَلةٌ في بطون الموسوعات العلميَّة من كتبِ التراجمِ، وكتبِ العقائدِ.

وقد ثبتَت نسبتها إلى مؤلِّفها بطريقٍ قطعيٍّ؛ بحيث رواها جمعٌ من الآخذين عنه، وعنهم جموعٌ إلى أن وصلت إلينا كما كُتبت.

المؤلَّفات والمصنَّفات في تقريرِ عقيدةِ السلفِ الصالحِ كثيرة ومتنوعة، فمنها المطوَّل، ومنها المختصر، ومنها ما جاء نظمًا، ومنها ما جاء نثرًا، ومنها الشروح والحواشي، ومنها ما كُتب بأسانيدِه، ومنها ما جُرِّد عن الأسانيد وكُتب استنباطًا من النصوص.

العناية بحفظ القرآن وتجويده وترتيله أمر مطلوب لكنه لا يكفي، فلا بدّ من العناية بقراءته على الوجه المأمور به.
وكثير من طلاب العلم يقرأ القرآن بل يحفظه ويتقنه ويجوده، فإذا ضمن ذلك أهمله ونام عنه، فلا تجد في بَرنامجه اليومي جزءًا مقتطعًا لقراءة القرآن على الوجه المأمور به، فضلًا عن كونه يُعنى بما يعينه على فهم القرآن وتدبره؛ مِن نظرٍ في التفاسير المعتبرة لأهل العلم الموثوقين، فيندر ويقِلّ…

الاستفتاح في الصلاة جاء على صيغٍ عنه صلى الله عليه وسلم؛ ففي الصحيحين، من حديث أبي هُرَيرة رضي الله عنه: «اللهم باعِدْ بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا، كما يُنَقَّى الثوبُ الأبيض من الدَّنَس، اللهم اغسلْ خطاياي بالماء والثلج والبرد» [البخاري (744) واللفظ له، ومسلم (598)]؛ وهذا مِن أصحِّ ما يدعى به في هذا الموضع؛ لأنه في…

جاء في حديث معاذ رضي الله عنه: «إني أحبُّك؛ فلا تَدَعْ أن تقول في دبر كل صلاةٍ: اللهم أعِنِّي على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك» [أبو داود (1522)، والنسائي (1303)]، فقوله صلى الله عليه وسلم: «دُبُرِ كلِّ صلاةٍ» يحتمل أن يكون قبل السلام، ويحتمل أن يكون بعده، فلو قال المصلِّي هذا الدعاء قبل السلام، فلا بأس، وإن أخّره إلى ما بعد السلام، فلا بأس…

إذا انتهى المصلي من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، يستعيذ بالله من أربع: «مِن عذابِ جهنَّم، ومن عذابِ القبرِ، ومِن فتنةِ المحيا والمماتِ، ومِن فتنةِ المسيحِ الدَّجَّالِ» [مسلم (588)]، وأوْجَبها طاووسٌ؛ فقد أمَرَ ابنَه عبدَ اللهِ أن يُعيدَ الصلاةَ؛ لمَّا لم يستعذْ بالله من هذه الأربع [ينظر: صحيح مسلم (1/413)]، لكنَّ الصواب عند…

بعض العوامِّ يزيدُ في تشهد الصلاة كلمة: «سيِّدنا»، فيقول: «وأشهد أن سيِّدنا محمدًا عبده ورسوله»، محتجًّا بأنَّ هذا من باب الاحترام للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم قد علَّمنا صيغةَ التشهُّد، ولم يذكرْ هذه الكلمةَ، وهو ذِكْرٌ متعبَّد به؛ فكيف يُزاد على ما أرشدنا إليه، إلا إذا كان خارج الصلاة فالأمر فيه سَعَةٌ، فتجوزُ زيادةُ هذه الكلمة، وهو صلى الله عليه وسلم الذي قال:…