Rulings

خَتَمَ ابن تيمية –رحمه الله- أحاديثَ الصفاتِ في كتاب الواسطية بحديثِ الرؤيةِ كما أنَّهُ خَتَمَ آياتِ الصفاتِ بآياتِ الرؤيةِ؛ لِتَكُونَ كالختامِ الذي يَجعَلُ الإنسانَ يَحرِصُ على العملِ بِمُقْتَضَى هذه الأسماءِ وتلك الصفاتِ؛ لأنَّها ختامُ نعيمِ أهلِ الجنةِ؛ ففي الرؤيةِ تُرَى جميعُ هذه الصفاتِ مُتكاملةً، فاللهُ -جَلَّ وعَلا- يَتَرَاءَى للناسِ في أوَّلِ الأمرِ على…

ذَكَرَ الحافِظُ ابنُ رَجَبٍ –رحمه الله- في كتابِ (أهوالِ القُبورِ) قِصَصًا تَدُلُّ على عذابِ القبرِ. ولَسْنا بحاجةٍ إلى مِثْلِ هذه الأخبارِ، فعندَنا نصوصٌ صحيحةٌ ثابتةٌ عَنِ النبيِّ -ﷺ- فلا نَتَرَدَّدُ ولا نَشُكُّ ولا نَرْتابُ. وهناك أشياء تذكر للاعتماد، وأشياء تذكر للاعتضاد ولا يعتمد عليها، مثل ما ذكر شيخ الإسلام بالنسبة للأخبار…

القولِ في أهلِ الكتابِ: هل يُقالُ هم مشركونَ أوْ لا مع أنهم كفارٌ كُفْرًا أكبرَ بإجماعِ المسلمين، خالدون مُخلَّدونَ في النارِ لا يَختَلِفُ في هذا أحدٌ؟ فمِنْ أهلِ العلمِ مَنْ يَقُولُ: هم مشركونَ؛ لأنَّ النَّصارى أشْرَكُوا المسيحَ مع اللهِ -جَلَّ وعَلا-، واليهودُ أشْرَكُوا عُزَيْرًا مع اللهِ -جَلَّ وعَلا- فهم مشركونَ. ويذهبُ بعضُ العلماءِ إلى أنهم كُفَّارٌ وفيهم شرك، لكن لا يقال: المشركون…

قدْ يَكُونُ في الشخصِ الواحدِ شيءٌ مِمَّا هو خليطٌ مِنْ عِدَّة مذاهب، فقدْ يَكُونُ في الأصلِ على مذهبِ أهلِ السنةِ والجماعةِ، ثم يُوافِقُ المُعتزلةَ أو الجهميَّة في مسألةٍ، أو يُوافِقُ فِرْقَةً أخرى في مسألةٍ مِنَ المسائلِ ويكُونُ في بقيَّةِ المسائلِ على الجادَّةِ أوِ العكسُ، فمثلُ هذا لا يَأخُذُ الاسمَ المطلقَ؛ وإنَّما يُقالُ فيهِ رفْضٌ، أو فيه نصْبٌ، أو فيه تَشَيُّعٌ، فيه تَمَشْعُرٌ،…

التوراة والإنجيل والقرآن: هذه الكُتُبُ الثلاثةُ هي أعظمُ الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ، والقرآنُ أفضلُ الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ وإنْ كَانَ الجميعُ كلامَ اللهِ، فهي بِاعتبارِ القائلِ فضلها واحدٌ، وكذلك لا مُفاضَلَةَ بهذا الاعتبار بينَ سُوَرِ القرآنِ ولا آياتِ القرآنِ، وأمَّا بِاعتبارِ القوْلِ ومضمونِه فيَتَفَاوَتُ لا سِيَّما الآياتُ أوِ السورُ التي وَرَدَت فيها نصوصٌ تَدُلُّ على فضلِها كسورةِ…

يومَ القيامةِ ليس من أحد «إلَّا سَيُكَلِّمُهُ ربُّه ليسَ بينَه وبينَه تُرْجُمَانٌ» [

الكراماتُ موجودةٌ من عهد الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة، وهي موجودة في هذه الأمة إلى يوم القيامة، ويُذْكَرُ عمَّنْ تَقَدَّمَنا بيسيرٍ عجائِبُ حَصَلَتْ لهم لشِدَّةِ اتِّباعِهم واقتدائِهم بسنةِ المصطَفَى -ﷺ- وهدي السَّلف، وقد أدْرَكْنا مِنهم أُناسًا ما مَالَتْ بهمُ الدُّنْيا ولا مَالُوا إليها، وسَارُوا على نَهْجِ السلفِ الصالِحِ لا تَرَى أيَّ فَرْقٍ بينَ عِيشَتِهم وبينَ ما يُذْكَرُ في…

يُلاحَظُ أنَّ وُجودَ الكراماتِ فيمَنْ بعدَ الصحابةِ، أكْثَرُ مِنْ وُجودِها في الصحابةِ؛ لأنَّ الصحابةَ عندَهم مِنَ الإيمانِ واليقينِ ما لا يَحْتاجُونَ معه إلى مِثلِ هذا التثبيتِ إلَّا في القليلِ مِمَّا وُجِدَ، أمَّا في التابعينَ فحاجَتُهم إلى ذلك أكثرُ؛ لتأيِيدِهم وتأييدِ غيرِهم وهدايةِ الخَلْقِ بسبَبِ مِثلِ هذه الأمورِ؛ لأنَّ اللهَ إذا أجْرَى هذه الكرامَةَ على يَدِ عَبْدٍ…

بعضُ المُعتزِلةِ نَفَوا وُجودَ الكراماتِ، قَالُوا: خَشْيَةَ أنْ تَلْتَبِسَ بالمعجزةِ. لكن المعجزة لا بُدَّ أنْ تَكُونَ مَقْرُونَةً بدَعْوَى النُّبُوَّةِ، فإذا ادَّعَى النُّبُوَّةَ وأُيِّدَ بالكرامةِ عُلِمَ صِدْقُه؛ فتكون معجزةً، أمَّا إذا تَجَرَّدَ عَنْ دَعْوَى النُّبُوَّةِ فلا تَخْلُو مِنْ حاليْنِ:

الأُولَى: أنْ تَقَعَ على يَدِ شخصٍ مُتَّبِعٍ للكتابِ والسنةِ ظاهرًا…

يقول ابن تيمية: (ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعن غيره، من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ويثلِّثون بعثمان ويربِّعون بعلي -رضي الله عنهم- كما دلَّت عليه الآثارُ، وكما أجمعَ الصحابةُ –رضي الله عنهم- علَى تقديمِ عثمانَ في البيعةِ، مع أنَّ بعضَ أهلِ السنَّةِ كانوا قد اختلفُوا في…

أهل السنة يقدِّمون المهاجرينَ علَى الأنصارِ؛ لأنَّه يجتمعُ فيهمُ الوصفانِ: الهجرةُ والنصرةُ؛ ولذا قُدِّموا في سورةِ الحشرِ [الحشر: 8]، مع أنَّ الأنصارَ لهم فضائلُ، وقد قالَ النبيُّ -ﷺ- في حقِّهم في الحديثِ الصحيحِ: «آيةُ الإيمانِ حُبُّ الأنصارِ، وآيةُ النفاقِ بُغضُ الأنصارِ»

أهل السنة يفضلونَ مَن أنفَقَ مِن قبلِ الفتحِ -وهو صلحُ الحُديبيَةِ- وقاتَلَ علَى مَن أنفَقَ مِن بعدِه وقاتَل، وإذا أطلق الفتحِ؛ فالمرادُ به فتحُ مكَّةَ، لكنَّ المقصودَ هُنا هو صلحُ الحُديبيةِ؛ لأنَّ سورةَ الفتحِ نزلَت علَى إثرِ صلحِ الحُديبيةِ وهو فتحٌ بالإجماعِ، وفيها: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } [الفتح: 1]…

قال –صلى الله عليه وسلم-: «لو أنَّ أحدَكم أنفَقَ مثلَ أُحُدٍ ذَهبًا ما بلَغَ مُدَّ أحدِهم ولا نصيفَه» [البخاري:

قولِه –صلى الله عليه وسلم-: «لا تسبُّوا أصحابِي» [البخاري:3673

والناس في الإيمان مذاهب. فالجَهمِيَّةُ يَرونَ أنَّ الإيمانَ هو المعرفَةُ، فيلزمُ من قولِهم أنَّ كلَّ مَن عَرَفَ اللهَ -جلَّ وعلا- فهوَ مؤمنٌ، وينبَني عليه أنَّ إبليسَ مؤمنٌ؛ لأنَّه عرف اللهَ ـ وأقسَمَ بعزَّتِه، وهذا قولٌ خَبِيثٌ مَنقوضٌ بدلائلِ الكِتابِ والسنَّةِ. والكَرَّامِيَّةُ يرون أن الإيمان قولُ اللِّسانِ فقَط ولو لم يوافقْه القلبُ، فجعَلُوا المنافقينَ مؤمنينَ؛ لأنَّهم

سُئِلَ بعضُ مُرجئةِ الجهميَّةِ عنِ الإيمانِ فقالَ: قولٌ وعمَلٌ. فقالَ الإمامُ أحمدَ: (هذا أخبَثُ قول)؛ لأنَّه يقولُ هذا الكلام مِن بابِ المُداراةِ أو المُداهنَةِ، حيث معروفٌ مِن مذهبِهم أنَّهم يرَون أنَّ المعرفةَ هي الإيمانُ، وعلَى هذا فإبليسُ مؤمنٌ عندَهم، والمشركونَ الذينَ عرفُوا اللهَ -جلَّ وعلا- في حالِ الشدِّةِ كلُّهم مؤمنونَ عندَهم. وإنَّما أرادوا بهذا: قولَ القلبِ وعمله. وهذا من…

يَذكُرُ المتكلمونَ مَسألةَ تعارُضِ القَدَرِ، فاللهُ قادرٌ على كُلِّ شيءٍ، فهل يَقدِرُ على ذاتِه المقدسةِ؟ الجوابُ: أما قدرتُه على أفعالِه فهذا مُقْتَضَى الأفعالِ، وأمَّا قدرتُه على ذاتِه بخلافِ ما كَتَبَه أوْ قَرَّرَ أنْ يَفعَلَه فهذا مِنْ بابِ التناقُضِ، كما قالوا في المثال الذي ذكروه: هل يستطيع الرب ـ أن يخلق صخرة لا يستطيع تفتيتها؟ نقول: إن كلمة (يستطيع) و(لا يستطيع)، جمع بين النقيضين…

بابُ القضاءِ والقَدَرِ مِنْ أبوابِ الدِّينِ العظيمةِ التي زَلَّتْ فيها الأقدامُ، وهو مِنْ أعْقَدِ أبوابِ الدِّينِ. وكثيرٌ مِنْ أهلِ العلمِ يَنْهَى عَنِ الاسْتِرْسالِ فيه، وهو سِرُّ اللهِ في خَلْقِه، لكنَّه لطالِبِ الحَقِّ المُتَّبِعِ للنصوصِ واضِحٌ لا لبسَ فيه ولا خَفَاء، وتَرْسُخُ قدَمُه في هذا البابِ وفي غيرِه مِنَ الأبوابِ كُلَّما ازْدَادَ مِنْ عِلْمِ الوَحْيَيْنِ، أمَّا مَنِ…

الإمام القرطبي –رحمه الله- فيه نوع زهد وعزوف وبعد عن الدنيا أثَّر في كتابه التفسير (الجامع لأحكام القرآن)، ولا شك أن مثل هذا السلوك مُؤثِّر على الإنسان شاء أم أبى، ولذا لو تقرأ في ترجمة راوٍ عند ابن حجر وعند النووي –رحمهما الله-، تجد أن النووي –رحمه الله- يهتم اهتمامًا بالغًا بعبادة هذا الرجل، وأطرف ما قيل عنه في هذا الباب، لأنه زاهد فأثر هذا في اهتمامه، لكن عناية ابن حجر –رحمه الله-…

يعتني القرطبي –رحمه الله- في كتابه (الجامع لأحكام القرآن) بالدلالة الأصلية بالدرجة الأولى، ويُسهب في هذا الباب، وهذا كثير في كتابه، ثم يتعرض للدلالات الفرعية التبعية، وإن كان من أهل العلم من يرى أنه لا يُحتج بها ولا يُستدل بها كالشاطبي، فقد نص على أن الدلالات التبعية لا يُستدل بها، لأن النص ما سيق من أجلها.